السبت، 25 يوليو 2009

قيل عن الأديب أحمد صبرى ابو الفتوح

كتب أحمد عبد الحفيظ بجريدة العربى يوم 19/7/2009
الأستاذ هو الأستاذ محمد حسنين هيكل أديب من طراز خاص جدا، يحمل يداخله رهاقة الشاعر، وبراعة الروائى، وريشة الفنان التشكيلى الحاذق. قمة أديبة ذهبت إلى الصحافة السياسية فجعلت ميدانها اصطياد الخير، وتتبع المعلومة، ودقة التحليل، وسلامة الرؤية والنظر من الطبيعى حين تجتمع قمة الصحافة بقمة الأدب أن ينتج نموذج فريد غير قابل للتكرار ولا الشبه خاصة بعد أن حملته مصر عبدالناصر على جناحيها وطارت به فى الآفاق، ثم عاد يحملها على كتفيه ليشعل أنوارا فى ظلام بهيم. لذلك كله تفرد الأستاذ بمكانة الأستاذ. لأكثر من خمس وثلاثين عاما، امعنت فى قراءة الأدب، احترفت قراءة نجيب محفوظ بالذات، وقرأت عددا من أدباء المغرب العربى، وبالطبع طه حسين والحكيم والعقاد ويوسف إدريس ويحيى حقى وعبدالرحمن المنيف، والفقيه، وحنا مينا ومن لحق بهم من أجيال الأدب العربى على امتداد العصور. عرفت أن الكتابة الحقيقية التى تحقق المتعة ويتوهج لها الفكر هى تلك الكتابة التى تتعدد مستويات التعامل معها. منذ الثانوى لم ننقطع عن قراءة هؤلاء الإعلام، وكلما مضى الزمن يزيد الفهم،وترسخ المعانى، وتتعمق المتعة.وقرأت يوميات نائب فى الأرياف لأول مرة فى عامى الجامعى الأول، وكلما عاودت قراءاتها زادت قناعتى بأنها أفضل نص أدبى أتيح لى قراءته فى الأدب العربى المعاصر. وعرفت أن الكاتب الحقيقى يفقد توهجه إذا صار موظفا كبيرا هو عين ما حدث للمقريزى. وكلما قرأت مقالات كامل زهيرى المتتابعة فى العدد الأسبوعى من جريدة الجمهورية فى عهدها الجديد أيقنت أن على القارئ أن ينتبه كثيرا فى مواجهة كتابه المفضلين. زهيرى يفتح الباب ويدخل، ويوسع لنفسه، ويتابع، ويتأمل، ثم يلتقط، ويصنفر، ويرش التوابل والمشهيات، ثم يحيط بالحلوى والفواكه. ويقدم هذا الطبق الشديد التنوع فى سهولة وبساطة ويسر، ودون حشو ولا تحشير، ومع ذلك كله يريد أن يقنعنا بأنه ينظر فقط من ثقب الباب. ومن يسأل لماذا أصبح ضياء رشوان هو الخبير الأول فى شئون الجماعات الإسلامية فى بلادنا عليه أن يذهب إلى مكتبه فى مركز الدراسات فى جريدة الأهرام. عشرات الكتب تضيق بها أرضية المكتب ومقاعده ورفوف مكتبته. أكثرها تتعلق بأحدث نظريات النقد الأدبى وعلوم الخطاب واللسانيات. فإذا أضيف إلى ذلك قدراته الفكرية، وسعة علاقاته العامة، وحرصه على التوثيق والإسناد، وسلاسة أسلوبه كاتبا ومحدثا. كانت إجابة السؤال قد اكتملت. ونبيل عبدالفتاح فنان وأديب ومثقف كبير وإن كان يكتب بلغة الفلاسفة. فى الجامعة وبعدها بقليل كان حسين عبدالعليم وأحمد صبرى أبوالفتوح يكتبان، وكنت اقرأ، ونجلس لنختار العناوين فى بعض الأحيان. ثم انصرف أحمد صبرى للمحاماة فأبلى فيها على حساب الأدب الذى لم يتذكره إلا مؤخرا بمجموعتين قصصيتين ورواية. أما حسين عبدالعليم فقد استمسك باحتراف الأدب، وجعل المحاماة مهنة تضمن لقمة عيشه وتمنح زادا لعالمه الأدبى. وحين عاودت قراءة صاحبى بعد تقادم السنين وجدت أحمد صبرى بشحمه ولحمه كما كان أيام الجامعة كأن السنين لم تغير من ملامحه وإن عمقت بعض أغوارها وخطوطها. أما حسين عبدالعليم فأورقت وأينعت أشجاره الأدبية، ولا حرج على صديقّى فاحدهما كسبته المحاماة والآخر فاز به الأدب. وشيء ما غامض وساحر فى عروق كتابة إبراهيم عيسى. ولازلت أحب شمس محمد عبدالسلام العمرى البيضاء رغم مضى السنين، وأجرى وراء فئران سفينة مكاوى سعيد، وأتذكر يوميات خلود أيام براءة خالد الصاوى، وأعود لديوان عمرو حسنى الواد الشايب وأشعار إبراهيم داود البضة وأقف مع خيرى عبدالجواد فى ممر الحكايات ثمارتد إلى أبوالمعاطى أبوالنجا فى الجميع يستحقون الجائزة وبهاء طاهر فى أنا الملك جئت، وبالأمس حلمت بك، وشطح مدينة جمال الغيطانى، وبليل يوسف القعيد وبلدة إبراهيم عبدالمجيد الأخرى، وأخرج من فساد أمكنة صبرى موسى إلى براح خيرى شلبى فى وكالة عطية أو بساطة عبدالفتاح الجمل فى قريته محب أو إلى مشاهدة السائرون نياما كما رصدهم سعد مكاوى وكما لم تغادر يوميات نائب فى الأرياف مخيلتى باعتبارها أفضل ما قرأت من نصوص الأدب العربى المعاصر فمازال يمسك بى الاعتقاد بأن علاء الأسوانى منذ قرأت له من اقترب وراى هو أكثر أبناء جيله تأهلا للحاق بركب أهل القمة فى عالم الكتابة الأدبية. وجمال فهمى كاتبا ومحدثا علامة مميزة فى سجل الساخرين العظماء الممتد من الجاحظ إلى المأزنى وعبدالحميد الديب إلى توفيق الحكيم ثم السعدنى وعفيفى وأحمد رجب وفيليب جلاب والساخرين من غير الكتاب من عينية الجزار والفار.. إلخ أما عبدالحليم قنديل فقد نقل فخامة ألفاظ الكتابة الأسلوبية العربية وسطع بها فى أفق الكتابة السياسية. وفى يوم ما أعددت نفسى لإنتاج مشروع نقدى كبير قرأت ما لم يسبق لى قراءته، وأعدت قراءة ما سبق لى قراءته. وكانت الأعمال السابقة جميعا هى مادة مشروعى المعتزم. وحشدت كتابات النقاد الكبار من حجم وعيار حمودة وعصفور والراعى ومحمود حجازى والعالم وصلاح فضل وفاروق عبدالقادر، وأبوعوف.. وغيرهم، وجعلت اقرأ فى نظريات النقد الحديث نحو عام، وتوهج فى ذهنى أن الصوفية تغلب أعمال نجيب محفوظ وليس المادية التى أعلى من شأنها النقد اليسارى فى فترة سيادته للحياة الأدبية. لكنى وجدت أن الدكتور عبدالبديع عبدالله سبق إلى هذه الفكرة فى كتاب أصدره عام 1971 فخبا حماسى، ثم إنى استمعت لرؤية نقدية جديدة لأدب نجيب محفوظ قدمها صديقى الناقد الكبير عزازى على عزازى وتابعت كتاباته النقدية الأخرى، فغلب على ظنى أنه الأحق بصولجان النقد الأدبى، على الأقل فهو تفرغ له بينما شغلتنا السياسة نشاطا وبحثا وكتابة. واكتفيت بأن أجعل الأدب بستان راحتى، وغذاء وجدانى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق